إطلاق تجريبي
2
منذ سنة
لقد أطلق الأدباء مصطلحَ شعراء العصر الإسلامي على أولئك الشعراء الذين كتبوا الشعر في الفترة التي امتدّت ما بين ظهور الرسول -عليه السّلام حتّى بدايات العصر الأموي، حيث حفِل العصر الإسلامي بعددٍ وافرٍ من الشعراء الذين نظموا أجمل الأشعار في مُختلف الأغراض الشعرية وتمكّنوا من حفر أسمائهم في قائمة أبرز شُعراء العصر الإسلامي، ولعلّ من أهم الأغراض الشعريّة التي اهتموا بها هي الدفاع عن الإسلام من أذى قُريش. ومن أبرز شعراء العصر الإسلامي ما يأتي.[١]
هو أبو الوليد حسّان بن ثابت بن المنذر بن حرام الخزرجي، يُلقّب بشاعر الرسول، وهو أحد أبرز شعراء العصر الإسلامي من بني النجّار أخوال النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأمّه الفريعة خزرجية مثل أبيه، وُلد في المدينة المُنوّرة قبل ولادة الرسول بنحو ثماني سنين، فشهد الجاهلية ستين سنة، وعاش في الإسلام ستين سنة أخرى، ولما بلغ الستين وسمع بالدعوة الإسلامية دخل بالإسلام، نشأ حسان وشبّ في بيت جاهٍ وشرف، وقد انصرف إلى اللهو والغزل، ووصف مجالس اللهو والخمر، إلا أنّه منذ أن أسلم التزم بتعاليم الدين الإسلامي ومبادئه.
وممّا لا شكّ فيه أنّ حسان بن ثابت حظي بمنزلة رفيعة بين قومه؛ فقد كان لسان قومه في الحروب يردّ هجمات قريش اللسانية، ويدافع عن الإسلام والمسلمين وعن رسول الله -عليه السلام- بلسانه لا بسيفه، حيث لم يقْوَ على خوض المعارك ولم يشارك بأيّ غزوة أو معركة مع الرسول -عليه السّلام-.
كما وقف بجانبه عدد كبير من الشعراء الذين دافعوا عن الإسلام بعد أن صحّ إسلامهم، وقد اكتسب شعره رقّةً في التعبير وتأثَّر بالقرآن الكريم والحديث الشريف، توفّي حسان بن ثابت في المدينة المنوّرة عن عمر ناهز 120 عامًا، وذلك سنة 54هـ في عهد معاوية بن أبي سفيان،[٢] وفيما يأتي سيتمّ عرض نموذجًا من أشهر قصائده وهي"عفت ذات الأصابع فالجواء"ويقول فيها:[٣]
عفتْ ذاتُ الأصابعِ فالجواءُ
دِيَارٌ مِنْ بَني الحَسْحَاسِ قَفْرٌ
وكانَتْ لا يَزَالُ بِهَا أنِيسٌ
فدعْ هذا، ولكن منْ لطيفٍ
لشعثاءَ التي قدْ تيمتهُ
كَأَنَّ خَبيئةٍ مِن بَيتِ رَأسٍ
عَلى أنْيَابهَا، أوْ طَعْمَ غَضٍّ
هو كعب بن زهير بن أبي سلمى بن ربيعة العوام، ولد سنة 609 م وتوفّي نحو سنة 662 م، ويُصنّف كعب بن زهير واحدًا من أبرز الشعراء الفحول المُخضرمين، فقد شهد العصر الذي يسبق الإسلام بالإضافة إلى العصر الإسلامي، وقد عُرف واشتهر في الجاهلية وعند ظهور الإسلام هجا سيّدنا محمد -عليه السلام- وأصبح يشبّب بنساء المُسلمين، فأهدر دمه حتى جاء إلى الرسول مُستأمِنًا يُعلن إسلامه، ثُمَّ أنشد لاميّته المشهورة "بانت سعاد" التي تُرجمت إلى غير العربية، فعفا عنه الرسول عليه السلام.
يُعدّ كعب من أشهر من قال الشعر ومن أعرق الشعراء شعرًا؛ فوالده زهير بن أبي سلمى الذي تلقّن الشعر عنه وورث عنه هذه الموهبة، وقد بلغ من الشعر حظًا وافرًا وشهرة مرموقة حين بدأ يصدر عنه شعر المواعظ الحكم المتأثرة بالقرآن الكريم، وإلى جانب قصيدته "بانت سعاد" التي لقيت شهرة واسعة؛ فإنّ له إنتاجًا شعريًا زاخرًا ومُتنوّعًا جمعه في ديوانٍ شعريٍّ يحمل اسمه،[٤] وفيما يأتي بعض الأبيات من قصيدة "البردة".[٥]
بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ
وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا
هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً
تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت
شُجَّت بِذي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحنِيَةٍ
تَجلو الرِياحُ القَذى عَنُه وَأَفرَطَهُ
يا وَيحَها خُلَّةً لَو أَنَّها صَدَقَت
لَكِنَّها خُلَّةٌ قَد سيطَ مِن دَمِها
فَما تَدومُ عَلى حالٍ تَكونُ بِها
هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي، وكنيته أبو محمد، وأمّه هي كبشة بنت واقد بن عمرو بن الإطنابة من بني الحارث بن الخزرج، كان ابن رواحة شاعرًا مُجيدًا ينطلق الشعر من بين ثناياه، أسلم على يدّ مُصعب بن عُمير ومنذ أن أسلم سخّر قُدرته الشعريّة في خدمة الإسلام والمُسلمين.
وعندما هاجر مع الرسول عليه السلام إلى المدينة المُنوّرة صار يُلازمه ويمدحه في شعره ويردّ هجمات المشركين الشعرية إلى جانب أنّه كان يدعو إلى الله تعالى؛ فقد أنعم الله عليه بأن منحه القدرة على الجهاد بالسيف واللسان، حيث أنّ شعره كان سيفًا سلّطهُ على رقاب المشركين ولم تقل أهمّيته عن السيف في المعركة وقد شهد مع الرسول غزوتي أحد وبدر وحفر الخندق وبيعة الرضوان وغزوة مؤتة التي استشهد فيها عام 8هـ، وفيما يأتي مثالًا على أحد قصائده:[٦]
خلُّوا بني الكفار عن سبيله
نحن ضربناكم على تأويله
ضربًا يزيل الهام عن مقيله
هو أبو مُلَيْكة جرول بن أوس بن مالك العبسي، وُلد سنة 600 م وتوفي سنة 678 م، ولقبه الحطيئة لقربه من الأرض، ويعدّ الحطيئة من الشعراء المخضرمين، حيث أدرك الجاهلية والإسلام، وهو من أبرز شعراء العصر الإسلامي، وقد ولد في بني عبس ولم يُعرف له نسب، فنشأ وحيدًا مظلومًا ومحرومًا مقطوع الجذور لا يجد سندًا من أهله، إلى جانب أنّه كان مرفوضًا من القبائل الأخرى ويعاني من الحرمان ممّا اضطره لقرض الشعر واتّخاذه سلاحًا حتى يجلب به قوت يومه وينقم لنفسه من خلاله من بيئةٍ ظلمته.
ولعلّ هذا السبب الذي جعله يُكثر من هجاء النّاس، خيث لم يسلم أحد من لسانه حتى أنّه هجا نفسه وهجا والديه، وله قصائد عديدة في المدح حيث امتاز شعره فيها بجزالة اللفظ وقوة العبارة وغزارة المعاني والحكمة من داخله وإن كان من ظاهره الاستجداء والمدح،[٧] وفيما يأتي بعض الأبيات من قصيدة هجا فيها أمّه ويقول فيها:[٨]
جزاكِ الله شرًّا من عجوزٍ
أغربالًا إذا استودعت سرًّا
فَقَدْ سُوِّسْتِ أمْرَ بَنِيكِ حتّى
لسانك مبردٌ لم يبقِ شيئًا
وإنْ تخلي وأمرك لا تصوني
تنحي واجلسي مني بعيدًا
حياتك، ماعلمت، حياة سوء
هي تماضُر بنت عمرو السلميّة، شاعرة مخضرَمة معروفة من أهل نجد، ولدت قبل الإسلام وعاشت بعده، حيث أدركت العصر الجاهلي والإسلامي؛ فأسلمت وصارت من الصحابيات، كما عُرفت الخنساء بقصائد الرثاء لأخويها صخر ومعاوية اللذين قاتلا في الجاهلية حتى قُتلا، وقد لقّبت الخنساء بهذا اللقب لقصر أنفها وارتفاع أرنبتيه.
كانت الخنساء ذات حسب وعز وجاه وشرف كما اتّصفت بجمالها الفتّان وتناسُق تقاسيمها، وقد عاشت بين أسرتها الابنة الوحيدة ولهذا كانت محطّ رعاية واهتمام من قبلهم، خاصّة من أخويها صخر ومعاوية، وممّا لاشكّ فيه أنّ شعر الخنساء يغلب عليه الرثاء والبكاء والتفجع، كما أنّه سار على وتيرة واحدة تميّزت بالحزن والأسى حتى عُدّت من أعظم شعراء الرثاء، توفيت الخنساء عام 645 م عن عمز ناهز 71 سنة،[٩] ومن الأمثلة على قصائدها قصيدة "قذى بعينك أم بالعين عوار" التي تقول فيها:[١٠]
قذى بعينكِ أمْ بالعينِ عوَّارُ
كأنّ عيني لذكراهُ إذا خَطَرَتْ
تبكي لصخرٍ هي العبرَى وَقدْ ولهت
تبكي خناسٌ فما تنفكُّ مَا عمرتْ
تبكي خناسٌ علَى صخرٍ وحقَّ لهَا
لا بدَّ منْ ميتةٍ في صرفهَا عبرٌ
قدْ كانَ فيكمْ أبو عمرٍو يسودكمُ
النابغة الجعدي أحد أبرز شعراء العصر الإسلامي المشهورين، وقد اختلف في اسم النابغة الجعدي فمنهم من قال أنّ اسمه حيان بن قيس ومنهم من قال أنه عبد الله بن قيس، أمّا كنيته فأبو ليلى، ويعتبر النابغة الجعدي من الشعراء المخضرمين؛ فقد عاش في الجاهلية والإسلام، والنَّابغة لقبه.
حيث اختُلف كذلك في سبب إطلاق هذا اللقب عليه؛ فمِنهم من قال أنّه لم يسبق وأن نظم شعرًا قبل أن بلوغه الثلاثين، ثمّ أُطلق لسانه فجأة فعُدّ ذلك نبوغًا، ومنهم من قال أنّه كان ينظم شعره في الجاهلية فارتج عليه ذلك، ليعود إلى النبوغ في نظم الشعر في الإسلام، وقد عمّر النابغة طويلًا ونتج عنه شعرًا عذبًا تناقلته الكتب جيلًا بعد جيل، وفيما يأتي أحد قصائده التي يقول فيها:[١١]
ذكَّرت شيئًا قد مضى لسبيله
نداماي عند المنذر بن محرِّق
كهولًا وشبَّانًا كأنَّ وجوههم
إذا ملِكٌ مِن آل جفنة خالُه
يردُّ علينا كأسَه وشواءَه
وراحًا عراقيًّا وريطًا يمانيًا
هو ابن أبي كعب واسمه عمرو بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري الخزرجي العقبي الأحدي، كان يُعرف في الجاهلية بأبي البشير، وهو من أشهر شعراء الإسلام حيث أسلم مُبكرًا، وكان من ضمن الثلاثة الذين تاب الله عليهم بعد تخلفهم عن غزوة تبوك كما أنّه روى عن النبي محمد عليه السلام ثلاثين حديث.
حيث اتّفق على ثلاثة من هذه الأحاديث وانفرد البخاري بحديث واحد ومسلم بحديثين، وروى عنه بنوه وهم: عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن ومحمد ومعبد وآخرون، وكانت وفاته في زمن معاوية بن أبي سفيان سنة 50هـ عن عمر ناهز 77 عامًا وقد عمي وذهب بصره في آحر أيامه، وله قصائد عديدة في الرثاء وفي الغزوات، وفيما يلي يمكن ذكر بعض الأبيات التي أنشدها كعب بن مالك الأنصاري يقول:[١٢]
فكفّ يديه ثم أغلق بابه
وقال لمن في داره لا تقاتلوا
فكيف رأيت الله صبّ عليهم
وكيف رأيت الخير أدبر عنهم
هو خويلد بن خالد بن محرث بن زبيد بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار، أحد الشعراء المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، وهو من أبرز شعراء العصر الإسلامي؛ فأسلم مع النبي عليه السلام وحسُنً إسلامه وقد قال الشعر وأجاد قوله.
وجاهد في سبيل الله في الغزوات التي خاضها مع الرسول عليه السلام حتى توفّي في خلافة عثمان بن عقّان، وممّا يذكر عن الهذلي أنّه خرج ذات يومٍ للجهاد في سبيل الله مع أولاده مُتهيّئين لفتح أفريقية، وقد نالوا النصر في هذه الغزوة إلّا أنّه في طريق العودة انتشر وباء جارف قضى على أولاده الخمسة وهم في عنفوان الشباب فرجع متحسّرًا حزينًا يرثيهم في قصيدته الشهيرة ويبثّ الحزن في ثناياها ويقول فيها:[١٣]
أَمِنَ الـمَنونِ وَريـبِها تَتَوَجَّعُ
قـالَت أُمَيمَةُ ما لِجِسمِكَ شاحِبًا
أَم ما لِجَنبِكَ لا يُلائِمُ مَضجَعًا
فَأَجَبتُها أَن مـا لِـجِسمِيَ أَنَّهُ
أَودى بَـنِيَّ وَأَعـقَبوني غُـصَّةً
سَـبَقوا هَـوَىَّ وَأَعنَقوا لِهَواهُمُ
فَـغَبَرتُ بَـعدَهُمُ بِعَيشٍ ناصِبٍ
وَلَـقَد حَرِصتُ بِأَن أُدافِعَ عَنهُمُ
وَإِذا الـمَنِيَّةُ أَنـشَبَت أَظـفارَها
---------------------------------
صبا عشا
المصدر: موقع موضوع
Powered by Froala Editor
Powered by Froala Editor