فصحى ميسرة للجميع

فصحى ميسرة للجميع

2

منذ سنة

ليس كل ما يلمع ذهبًا، مثَلٌ شائع ومتداول، ولا يخفى أن المقصود به أن الأمور قد تكون خادعةً بظواهرها، ولعله واحد من الأمثال القليلة التي ينطقها الكثير منا بنصِّه الفصيح الجميل كما ورد؛ حيث إننا نلجأ في معظم ما تبقى من كلامنا إلى لهجاتنا العامية، كلٌّ حسب بلده، بل وربما تجد للمثل السابق على بساطته اللغوية صيغًا أخرى على مستوى القطر العربي الواحد باختلاف المنطقة أو المكان؛ لتعدد اللهجات فيه، فاللهجات العامية العربية كثيرة ومختلفة ولكن المضمون واحد، فالعرب عمومًا متشابهون في كثير من أمور حياتهم وإن اختلفت عاداتهم وتقاليدهم في أمور أخرى، وكذلك هو حال أمثالهم الشعبية وإن اختلفوا أحيانًا في طريقة نطقها.

 

تعلَّمنا منذ صغرِنا أننا أمة عربية واحدة، يجمعنا رابطا الدينِ واللغة، فغالبيتنا -كأمة - ندين بالإسلام ونتحدث العربية، وعندما نقول: "العربية"، نقصد بها بطبيعة الحال اللغة العربية الفصحى لغة القرآن الكريم، وليس لهجاتنا العامية أو المحكية - كما يحلو للبعض أن يسميها - بقُربها أو بُعدها من الفصحى، للأسف فإن شعوبنا العربيةَ قلما تستخدم الفصحى في أحاديثها اليومية، ربما فقط في حالات قليلة وخاصة، فالكل يتحدث بلهجته العامية إذا كان الحديث مع جماعته وقومه، أنا طبعًا لا أستهجن ذلك أو أستغرب منه؛ فهكذا نشأنا في بيوتنا على هذه اللهجات، واعتادتْها ألسنتُنا، وأن الفصحى هي للتدريس والقراءة والكتابة والخطب الحماسية وبعض الأمور الرسمية، وقد لاحظت أثناء إقامتي بهذا البلد الطيب -الموطن الأصلي للغة العرب الفصحى- مع الاحتكاك اليومي بجنسيات عديدة غير عربية - ما نقوم به جميعًا من تكسيرٍ وتشويه للغتنا الجميلة في حديثنا المتبادل معهم، من إعادة ترتيب عجيبة لكلمات عربية مشوهة، اخترعوها لنا بطريقة نطقهم لها، فصرنا نردِّدها على طريقتهم إلى حد أن صار بعضٌ من هذه المفردات المخترعة -لكثرة استخدامنا لها- جزءًا من حصيلتنا اللغوية، حتى إن الواحد منا - أحيانًا عن غير قصد منه - يستخدمها في حديثه مع شركائه في اللغة الواحدة من العرب، الذين هم أنفسهم تتباين لهجاتُهم العامية، لدرجة يستعصي فهم بعضها على البعض من غير الرجوع لقاسمنا المشترَك من فصيح اللغة لإنقاذ الموقف، وإن بدت تجربةً طريفةً أحيانًا لقلة اعتيادنا لها، ولعل في ذلك حافزًا لنا جميعًا كأبناء أمة واحدة أن نكون أكثر حرصًا أن نبتعد عن الإغراق في لهجاتنا العامية، ونحاول تطويعها بقدر ما هو مستطاع لنقترب بها من الفصحى، فنوجد كلنا لهجة يستسيغها الجميع تكون بمثابة شبه فصحى ميسَّرة خالية من شروط الرفع والنصب والكسر والتسكين والشد، كخطوة أولى نحو الوصول لهدف أبعد، وهو أن نصبح جمعينا كعرب - يومًا ما - ممن لا يكتبون ولا ينطقون إلا بلغة عربية فصيحة، خالية من كل شائبة، كما هو حال كثير من لغات العالم الرئيسة، والتي أصبحت العربية واحدةً منها؛ حيث ازداد الإقبال على تعلُّمها في كثير من دول العالم، خصوصًا الكبرى منها كالولايات المتحدة وروسيا في السنوات الأخيرة.

--------------------------------

الأستاذ عاهد الخطيب

المصدر: شبكة الألوكة

Powered by Froala Editor