إطلاق تجريبي
0
منذ سنتين
"إن قراءة الكتب هي التي تبني عند الإنسان لغة العلوم، وعنها يعرف طريقة الأسلوب وتأليف الكلام المتبع فيها"، ص10.
يقدم د/ فهد صالح الحمود رؤيته تجاه القراءة، وأسلوبه في استنباط واستقراء أحكام التأليف والتصنيف، رؤية تختزل كثيرًا من المعاني والمفردات حول مضامين الكتب واتجاهات مُؤلِّفيها، مع الأخذ بالاعتبار الفائدة والتحصيل العلمي الذي ينشده القارئ، وتهيئة السُّبُل له برسم خارطة منهجية، تدُلُّه على طريقة القراءة الصحيحة الجادَّة والمثمرة.
"إن القراءة القائمة على الفَهْم والاستيعاب من أشقِّ أنواع القراءة وأكثرها فائدة؛ لأن فيها تحسينًا لفَهْم القارئ والارتقاء بمستواه نحو أفق الكتاب والمؤلف"، ص٦٣.
هذه القراءة التي تحدِّدها اتجاهات ورؤى المؤلف بحيث تنصب معلمها نحو الأهداف المرجوَّة من عملية القراءة.
يستطيع كل شخص بناء منهجه في القراءة وَفْق رؤية واضحة محددة يبني عليها أطروحات الكتاب من خلال تلمُّس آثاره ليستدل على الوعي القائم على أصول المسائل وتتبُّع فروعها، والبحث عن كنوز الكتب المغمورة داخل طيَّات صفحاتها.
فالقراءة ليست هدفًا بحدِّ ذاتها عند المؤلف بل طريقة القراءة التي تعتمد على "التأمُّل والنقد والتحليل"، ص120، "وكيفية البحث والتنقيب في بطون الكتب واستخراج الفوائد والنوادر منها"، ص122.
فإدراج شخصية القارئ ضمن عملية التلقي بحيث ينسج قوامَها من تعداد الأفكار حوله، وتمييز المفردات تجعله قائمًا بذاته داخل العملية القرائية "المبنية على أساس صحيح"، ص45، وآثارها على قدراته وحياته، وتطبع أفقه بنوع من المعرفة الاكتشافية التي تُزيل عن كاهله آثار التبعية والتقليد، وتُعينه على بلوغ مراده من القراءة، وتتبُّع آثار العلم داخل النصوص، والإفادة منها في تحصيله المعرفي وبنائه الفكري.
اقتباسات:
• "إن تحديد الهدف من القراءة من العوامل الأساسية التي تزيد من فاعلية القراءة، وما يتحصَّل منها من ثمرات وعوائد"، ص٥٧.
• "الكتب مستودع الأفكار متى أعملنا عقولنا بها"، ص١٩٩.
• "فإن البحث والكتابة يعتبران أعلى مستويات القراءة وأنضجها، بل هو هرم التأمُّل والتفكير ومنتهاهما"، ص٦١.
• "إن الكتاب إنما يشرف وينفُس بما يحويه من معانٍ وأفكار ومسائل، بقطع النظر عن سهولة أسلوبه وقرب مأخذه"، ص٦٦.
♦ ♦ ♦
بقراءة متأنية واعية لواقع متأزِّم، وأفكار متضاربة، ومناهج يبني عليها العقل والفكر بدون وعي وإدراك للغة والثقافة التي ينسج منها، أقام المؤلف جِدارَه الحصين في وجه تلك المناهج، واختَطَّ لنفسه منهجًا مبنيًّا على علم ودراسة يستند على الموروث.
"ففي نظم كل كلام وفي ألفاظه، ولا بُدَّ أثرٌ ظاهرٌ أو وَسْمٌ خفيٌّ من نفس قائله وما تنطوي عليه من دفين العواطف والنوازع والأهواء من خير وشرٍّ أو صدق وكذب"، بهذه الإبانة الصادرة عن عمق تجربة وأصالة فكر، يتحدَّث المؤلف محمود محمد شاكر في كتابه "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا" قرابة ١٦٧صفحة، في سلسلة مقالات عبارة عن رسائل تُوضِّح حقيقة منهجه في "تذوُّق الكلام" وأسلوبه في دراسة الأدب العربي بشِقَّيْه الشعري والنثري.
يضم الكتاب بين جنبيه ٢٤ رسالةً من البداية حتى الختام، وتنوَّعت موضوعاتها ما بين المنهج وهو المادة والتطبيق، وبين سبب الخلاف مع المناهج السائدة، وكان منهجه كما يقول "نابعًا من صميم المناهج الخفيَّة التي سَنَّ لنا آباؤنا وأسلافنا طرقها" معتمدًا على دلالات اللسان العربي.
ويرجع أهم أسباب فساد الحياة الأدبية، كما رآها المؤلف إلى استشراء الاستشراق داخل أوصال الثقافة العربية، بدراسة مستفيضة عن أحواله ونتائجه من الحروب الصليبية وأثرها في العقل العربي، فكان الاستشراق البوابة الرئيسية لعزل ومسخ الهوية، وفصل الثقافة عن اللغة والدين.
اقتباسات:
• "أجعل منهجي في تذوُّق الكلام منهجًا جامعًا شاملًا متشعِّب الأنحاء والأطراف"، ص٨.
• "والذي لا يملك القدرة على استيعاب هذه الدلالات وعلى استشفاف خفاياها، غير قادر البتة على أن يُنشئ منهجًا أدبيًّا لدراسة إرْث هذه اللغة"، ص١٥.
• "بدأ الرهبان وتلاميذهم معركة أخرى أقسى من معارك الحرب، معركة المعرفة والعلم"، ص٣٧.
--------------------------------------------------------------------------------
المراجع:
• محمود محمد شاكر، رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، دار النشر: مكتبة الأسرة.
المصدر: شبكة الألوكة