إطلاق تجريبي
1
منذ سنتين
مَن منَّا لم تصير له في حياته أمورًا دون تخطيط مُسبق أو ترتيب، يدبِّر الله لنا الأمر من فوق سبع سماوات لما فيه الخير والصلاح لنا.
يفتح الله عليك فتوح العارفين، يهيئ دربك ويوجِّه بوصلتك نحو أمر أعدَّك له منذ وقت طويل.
سلِّم أمرك لله والزَم طريقك، وكن كموسى عليه السلام واجعل شعارك "لا أبرح حتى أبلغ"؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ﴾ [الكهف: 60].
بداية قوية لرحلة شاقة، كيف لا وهو من أولي العزم من الرسل، وضع الله الهمة في قلبه، وفي الآية الكريمة يخبر أنه على استعداد أن يستمر في السير لطلب العلم، حتى يصل إلى غايته أو يظل يسير ولو سنين (حقبًا).
لذلك جاءت الآيات بعدها معطوفة بحرف الفاء والذي يدل على السرعة والمتابعة، قال تعالى: ﴿ فلما بلغا ﴾ [الكهف: 61].
ولا تكن كذلك النموذج الذي يبدأ بداية ضعيفة وقد حذرنا الله منه؛ قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى * وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى ﴾ [النجم: 33، 34].
عطاء ضعيف من البداية (قليلًا) يساوي نهاية ضعيفة.
وتشير كلمة (أكدى) إلى ضعف العزم، وعدم مجاهدة النفس على الاستمرار عند العوارض.
فلا بد من صخور تقابلك في طريقك، فإياك أن تتخذ ذلك أنموذجًا، ولكن نصب عينيك عزم سيدنا موسى على إتمام الأمور التي وضعها الله في طريقنا وهيَّأنا لها؛ قال ابن القيم رحمه الله: "العلم والعمل توأمان أمهما علو الهمة".
لأستهلنَّ الصعب أو أبلغَ المنى *** فما انقادت الآمال إلا لصابرِ
كيف تكون صاحب عزم؟
١- كن صادقًا مع نفسك تجاه ما تريد، وتذكر أنه لا أحد سيدفعك نحو تحقيق هدفك أكثر من نفسك الشغوفة تجاه هذا الأمر.
يجب أن تقف وراء قرارك رغبة شديدة، وإلا سوف ينثني عزمك عند مصادفة أول عقبة، ولا بد أن تمتلك الاستقامة اللازمة؛ حتى تظل متمسكًا بالهدف الذي تسعى لتحقيقه دون الاكتراث لأي عواقب تقف في طريقك.
٢- اعرف كيف تتخذ قرارك وكُف عن الهروب.
يجب أن تخرج من منطقة الراحة التي يتخذها عقلنا لنبقى داخل حدود ما هو مألوف، عن طريق عدم اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، هذه الحيلة يستخدمها العقل بدافع الخوف من اتخاذ قرار خاطئ، الخوف من تغيير القرار مرة بعد مرة، وذلك بسبب عدم الإحساس بالهدف، واتخاذ القرار من غير تفكيرٍ.
٣- لا يحب أن تكون القرارات المتخذة موضع تفاوض.
الغاية من اتخاذك للقرار الذي تحاول أن تفاوض نفسك فيه هو التوقف عن تضييع الوقت في التحرك إلى الأمام، والكف عن قضاء الوقت في البحث عن طرق تسمَح لك التملُّص من قرارك.
٤- تمسك بقرارك.
يجب أن يكون لديك ثبات على رأيك، وتكون على استعداد للسقوط، ثم النهوض مرة أخرى، ولا تتوقف مهما حدث ولا تتوقف حتى تصل.
وتذكَّر أنه بقدر الهدف يكون الانطلاق، فليكن لديك علوُّ هِمَّةٍ!
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلِّم أصحابَه كبرَ الهمة وعلو الهدف وسُمو الغاية، وكان يحزن إذا رأى من أحدهم غير ذلك؛ كما في حديث عجوز بني إسرائيل الذي رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده وعنه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم أَعْرَابِيًّا فَأَكْرَمَهُ، فَقَالَ لَهُ: (ائْتِنَا) فَأَتَاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم: (سَلْ حَاجَتَكَ)، قَالَ: نَاقَةٌ نَرْكَبُهَا، وَأَعْنُزٌ يَحْلِبُهَا أَهْلِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم: (أَعَجَزْتُمْ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَ عَجُوزِ بَنِي إِسْرَائِيلَ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَمَا عَجُوزُ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟! قَالَ: إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ لَمَّا سَارَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ ضَلُّوا الطَّرِيقَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ عُلَمَاؤُهُمْ: إِنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ عَلَيْنَا مَوْثِقًا مِنَ اللهِ أَنْ لاَ نَخْرُجَ مِنْ مِصْرَ حَتَّى نَنْقُلَ عِظَامَهُ مَعَنَا، قَالَ: فَمَنْ يَعْلَمُ مَوْضِعَ قَبْرِهِ؟ قَالُوا: عَجُوزٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا فَأَتَتْهُ، فَقَالَ: دِلينِي عَلَى قَبْرِ يُوسُفَ قَالَت: حَتَّى تُعْطِيَنِي حُكْمِي، قَال: ومَا حُكْمُكِ؟ قَالَتْ: أَكُونُ مَعَكَ فِي الْجَنَّةِ، فَكَرِهَ أَنْ يُعْطِيَهَا ذَلِكَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ أَعْطِهَا حُكْمَهَا، فَانْطَلَقَتْ بِهِمْ إِلَى بُحَيْرَةِ مَوْضِعِ مُسْتَنْقَعٍ فِي مَاءٍ، فَقَالَتْ: أَنْضِبُوا هَذَا الْمَاءَ، فَأَنْضَبُوهُ قَالَتْ: احْتَفِرُوا فَاحْتَفَرُوا، فَاسْتَخْرَجُوا عِظَامَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَلَمَّا أَقَلُّوهَا إِلَى الأَرْضِ إِذَا الطَّرِيقُ مِثْلُ ضَوْءِ النَّهَارِ).
وكان صلى الله عليه وسلم: يقول لهم: إذا سألتم اللهَ فسلُوهُ الفردوسَ، فإنَّهُ أوسطُ الجنةِ، وأعلى الجنةِ، وفوقَه عرشُ الرحمنِ، ومنه تَفجَّرُ أنهارُ الجنةِ؛ (متفق عليه).
وإننا في النهاية نسعى لأن نكون نسخة أفضل من أنفسنا، لنحقِّق ذاتنا ولنكسب رزقًا حلالًا طيبًا، في رضاء الله عز وجل وتحت لوائه، فدائمًا سلِ الله التوفيق والتيسير في كل شيء، ولتكن لديك همة عالية في الدعاء، فلا يتعاظم شيءٌ في نفسك تريده، وتظن أنك لا يُمكنك أن تحصل عليه لقصور عملك أو قصور إمكانياتك، فإذا كان حصول النتائج متعلقًا بالأسباب، فإن الدعاء من أعظم الأسباب.
فقد بيَّن الله لنا صنفين من الناس في القرآن:
الأول لا يتوافق مع عُلوِّ الهمة، والاقتصار في الدعاء على طلب الدنيا والإعراض عن الآخرة، قال تعالى: ﴿ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾ [البقرة: 200].
وأما الصنف الآخر من أهل الهمة العالية، فبيَّن الله لنا حالهم بقوله: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].
فالهمة العالية أن تسأل الله من خيري الدنيا والآخرة موقنًا بالإجابة.
وأخيرًا، يُمكن لبعضنا الآن أن يقول: من أين أبدأ؟ فقد تعسَّر طريقه وضاعت وجهته، وهنا نقول: اعلم أن مكمنَ قوة الإنسان وعزمه في قوة إيمانه، فليكن قلبك مخمومًا بالصدق والإيمان، مفعمًا بالإرادة والسعي؛
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الإسراء: 19].
السعي المطلوب يتمثل في أداء العبادات وضبط الشهوات والجوارح وغض البصر، وضبط الدخل والإنفاق والبيت وضبط العمل، والالتزام الكامل في تطبيق منهج الله في كل صغيرة وكبيرة، والتحرك في كسب الرزق وَفق منهج الله عز وجل؛ قال تعالى: ﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ [النساء: 92].
جعلنا الله وإياكم ممن حسُن عمله وطاب رزقُه، وبورك له في ماله.
-------------------
المصدر: شبكة الألوكة
Powered by Froala Editor
Powered by Froala Editor