الفجوة بين الفكر والفعل

أوراق عربية

1

منذ سنتين

كلٌّ منَّا يَعتقد أشياءَ، ويُؤمن بها تمامَ الإيمان، وقد لا يُلقي بالاً لبعضٍ منها في بعض الأحيان، فكلُّنا نُؤمن بما نَدين به، ولكن منَّا مَن يتكاسَل عن بعض أركان عقيدته؛ كالمسلم الذي لا يُصلي، والنصراني الذي لا يَذهب إلى الكنيسة، وتلك هي الفجوة التي اتَّسَعت وزادَت في المجتمع المصري، وأصبَحت سِمة مميِّزة لمجتمعٍ أصبَح مَلِيئًا بالتناقضات.

 

ولننظر إلى الأداء السياسي المصري في المدة الأخيرة، وتلك الفجوة بين ما نُؤمن به ونَعتنقه فكريًّا، وبين ما نَفعله، فلو نظرَنا من بعيدٍ، نرى في الحياة السياسية المصرية عديدًا من التناقضات، فنرى أشخاصًا يحملون لواءَ تيَّارات إسلاميَّة ويكذبون، وآخرين يَحملون لواء تيَّارات ليبراليَّة ويَحجرون على رأي الآخر، ويُشكِّكون في كل مَن يُعارضهم، ويَتنصلون من الديمقراطية في بعض المواقف، فكيف بأُمَّة تَمتلك تلك الفجوة أن تُسارع الزمن في تطوُّرها؟!

 

عجبًا لمصر؛ قد يسمي البعض تلك الفجوة نفاقًا، وقد يَنعتها آخر بالتلوُّن، ولكن سمِّها كما تَشاء، فهذا هو واقعُ مجتمعٍ يحمل بين طيَّاته ما أُسمِّيه بالهرتلة الفكرية، تلك التي نتجَت من إعلام مُشوّه، لا يدري أيَّ شيءٍ سوى المصالح، فنرى الرُّوَيبِضة، ونرى السَّفيه والمُختل!

 

وللأسف فهؤلاء هم مَن يُشكِّلون عقليَّة عشرات الملايين من شعب هذا البلد الطيِّب، يتحدَّثون باسم حبِّهم لمصر، ولكن لا أرى فيما يفعلون حبًّا لمصر، بقَدْر ما أرى في ذلك عشقًا لأنفسهم، تلك الهرتلة التي جعَلت من شعب العلم والثقافة شعبًا قوامه الرئيس من الغوغاء الذين يُردِّدون ما لا يَفهمون، ويَتغنَّون بمصطلحات لا يَدرون ما معناها وماهيَّتها، تلك الهرتلة التي جعَلتنا لا نرى سوى الذي يَحلو لنا رُؤياه.

 

عجبًا لمصر؛ نرى فيها ما لا يُمكن أن تراه في غيرها، ترى فيها الطِّيبة والأصالة والتاريخ والعراقة، وترى أيضًا فيها الكذب والرِّياء والكِبر، هذا هو حالنا: نعيش في فجوةٍ بين ما نحب أن نفعلَ، وبين ما يجب أن نفعلَ، ومع التزايُد الواضح في الفكر الغوغائي، أصبَح مَن يتحدَّث عكس تيَّار الغوغاء - وإن كان صادقًا -  عدوًّا للوطن، وإبليسَ يجب أن يُرجم، ومَن يتحدَّث كما يُريد الغوغاء، قائدًا وزعيمًا، فاختلَّت عندنا كلُّ الموازين، وأصبَحنا على حافَة الهاوية الفكريَّة.

 

وكلُّ ما أتمنَّاه هو إعمال العقل، والتمييز بين ما هو صحيح ولا يُوافق هوانا، وبين ما هو غير صحيح ويُوافق رغباتنا، وأن نَستخلص تلك الآفات التي مَلأتْ مجتمعًا أراه أنسبَ ما يكون في المدة القادمة؛ ليكون مجتمعًا مثاليًّا، ولكن بعد أن تُزال تلك الآفات، ويُمهَّد الطريق أمام أصحاب الرُّؤى القويمة والأفكار السديدة؛ لكي يَنهضوا بتلك الأُمَّة.

--------------------------

المصدر: شبكة الألوكة