إطلاق تجريبي
1
منذ سنتين
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كتب علماؤنا الأوائل وصنفوا وأبدعوا، وتركوا لنا تراثا فكريا وثقافيا وأدبيا نفخر به على مر التاريخ، ونسترشد بهدية في مسيرتنا وحلّنا وترحالنا، إلا أن اللافت في هذا التراث الشامخ أن أصحابه كتبوه بالأخص لعصرهم، ففندوا الشبهات وحلوا المعضلات التي انتشرت في أيامهم، الأمر الذي يستلزم منا أيضا أن نعيد صياغة هذا التراث بما يلائم عصرنا ويواكب مشكلاته اليومية، هذا فضلا عن الإضافات التي تستلزمها موجة التغيير التي يتسم بها كل عصر ومصر .. هذه الصياغة لا يقصد بها إلغاء هذا التراث الخالد بقدر ما هو تطويع شكله المعرفي لكي يتماشى مع روح العصر مع إضافة التقنيات الحديثة التي لم تتوفر للأوائل والتي من شأنها أن تجعل المعرفة سهلة مستساغة لكل من ينشدها. ركبة البعير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه) [أحمد: 2/381] قال الإمام الطحاوي في «مشكل الآثار» [1/169]: "فقال قائل: هذا كلام مستحيل، لأنه نهاه إذا سجد أن يبرك كما يبرك البعير. والبعير ينزل على يديه، ثم أتبع ذلك بأن قال: «ولكن ليضع يديه قبل ركبتيه»، فكان ما في هذا الحديث مما نهاه عنه في أوله، قد أمره به في آخره.
فتأملنا ما قال مِن ذلك، فوجدناه محالاً، ووجدنا ما رُويَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث مستقيماً لا إحالة فيه. وذلك أن البعير ركبتاه في يديه، وكذلك كل ذي أربع من الحيوان، وبنو آدم بخلاف ذلك، لأن رُكَبَهم في أرجلهم، لا في أيديهم. فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث المصليَ أن يَخرَّ على ركبتيه اللتين في رجليه، كما يخر البعير على ركبتيه اللتين في يديه، ولكن يَخرُّ لسجوده على خلاف ذلك، فيخر على يديه اللتين ليس فيهما ركبتاه بخلاف ما يخر البعير على يديه اللتين فيهما ركبتاه. فبان بحمد لله ونعمته أنَّ الذي في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام صحيح لا تضاد فيه ولا استحالة فيه. والله نسأله التوفيق"ـ . وقد ذهب الإمام ابن القيم رحمه الله في «زاد الميعاد» 1/224-226، وفي حاشيته على سنن أبي داود 3/74-75، إلى نفي أن تكون ركبتا البعير في يديه، وبين أن آخر الحديث: "وليضع يديه قبل ركبتيه" مناقض لأوله، وحكم رحمه الله بأنه منقلب على الراوي، وأن الصواب: "وليضع ركبتيه قبل يديه" لأجل أن يوافق آخر الحديث أوله، لأن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتناقض. والخلاف في هذا الأمر قديم مشهور قد انسحب على علمائنا المعاصرين أيضا على نفس القولين، لكن العجيب أن من يقول بأن ركبة البعير في يديه من السلف والخلف يرجع إلى المعاجم اللغوية، وإن كان هذا مقبولا في زمن السلف فهو جمودا في زمن الخلف الذي يعج عصرهم بعشرات من كليات الطب البيطري وفيها ثلة عامرة من علماء تشريح الحيوان الأفذاذ الذين أولى أن نرجع إليهم في حسم هذا الخلاف، وهذا مما لم يتبادر للأذهان ولم أجد في كتب الفقه المعاصرة أي إحالة من هذا القبيل. وقس على هذا: الخلاف في «حيض الأرنب»، حيث الفتوى المعتمدة في ذلك قول العلماء: الأرنب حلٌ ولو حاضت، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أكلها، وأكلها الصحابة، فلا بأس بذلك، فالأرانب حلٌ مطلقاً ولو حاضت، ذكر بعض أهل العلم أنها تحيض، ولو حاضت، لا يضر ذلك. «ولو حاضت»!! أليس من العجب في عصر الثورة العلمية أننا لم نحسم الأمر في حيض الأرنب من عدمه، ونصل بعد سؤال علماء التخصص التشريحي للحيوان إلى قول قاطع في هذا الشأن.
مؤخرة الرحل
أنصابة الزكاة
المصدر: صيد الفوائد
Powered by Froala Editor
Powered by Froala Editor